Pages

دليفري للبهوات

Monday, December 27, 2010

أفلام الرئيس وعائلته على اليوتيوب

لا يحتاج الأمر إلي تكاليف ضخمة لكي تصنع دعاية سياسية، منذ أكثر من عامين وظف الحزب الوطني المخرج الكبير "شريف عرفة" والمذيع الأكبر "عماد أديب" لصنع فيلم وثائقي عن الرئيس "مبارك"، والنتيجة نعرفها كلنا عندما لم يؤثر الفيلم في ميول الناخبين المصريين، لا يحتاج الأمر لفيديو أصلا ما دام الجميع لديهم المعرفة الأساسية بموضوعات مثل أزمة الخبز وأسعار الوقود وتصدير الغاز لإسرائيل، لكن المعارضون يحتاجون إلي أفلام من نوع مضاد، ورغم أن غزو المعارضة للإنترنت بدأ من أعوام قليلة، إلا أنه بشكل عفوي غير منظم، يزدحم موقع "YouTube" بأفلام دعاية مضادة ضد الرئيس وعائلته، أغلبها ساخر وبمعني قصير الفتيل كأغلب النكت المصرية، مع مسحات واضحة من الأسي والغضب، وأحيانا الإبداع الفني.
أكثر الفيديوهات قسوة وشعبية علي الموقع يحمل اسم "مصر.. حسني مبارك"، وضع الاسم بهذه الطريقة يفيد واضعه في ربطه بسهولة مع أي فيديو آخر يحمل اسم "مبارك" أو "مصر"، وبالفعل أفاد هذا في زيادة عدد مشاهدي الفيديو الذي بلغ أكثر من 264 ألف مشاهد، وهو رقم كبير قياسا علي عدد مستخدمي "يوتيوب" المصريين، وحصل علي تقدير 4 من خمسة. الفيديو نفسه ينتمي لفن "الفيديو آرت" المصمم ببرنامج "فلاش"، يبدأ الفيديو بخريطة مصر تظهر عليها عبارة "مملكة مبارك"، علي خلفية موسيقية لواحدة من أشهر أغنيات "سعد الصغير"، مجرد ذكر اسم الأغنية سيعطي الفرصة لإغلاق الصحيفة والموقع حسب قوانين النشر الجديدة التي تمنع حتي إهانة رؤساء الدول الأخري، لكن كلنا نعرف الأغنية المقصودة.
بذل مصمم الفيديو مجهودا كبيرا بعد ذلك في تركيب صور مبارك علي خلفيات جديدة، مثل صورته بتاج الملكية، أو وجهه مكان وجه الملك "فاروق" مع عبارتي "آن الأوان" بالعربية و"ملك مصر للأبد" بالإنجليزية. بعد هذا ينتقل الفيديو لعلاقات الرئيس مع "جورج بوش" وصورة "جمال مبارك" في الخلفية، وصورة أخري مأخوذة من مؤتمر صحفي للرئيس وخلفه علم إسرائيل. الفيديو استفز 418 تعليقا من المشاهدين، كان آخرهم قبل 3 ساعات من كتابة المقال، رغم أن الفيديو نفسه موجود علي الموقع منذ 3 شهور وأكثر. التعليقات كان أغلبها يهنئ مبدع الفيديو، وبعضها يعلن عن إضراب 4 مايو، أو إعلان عن صلاة الغائب لشهداء المحلة، والتحقت بها شكاوي زيادة الأسعار مؤخرا فقط، أحد المعلقين نشط في الدفاع عن الرئيس وتجريم صاحب الفيديو، مستخدما اللغة الإنجليزية، مع تفرغه للرد علي معلقين آخرين، أحيانا بألفاظ جنسية بذيئة، واتهم صاحب الفيديو بأنه واحد من "فلسطينيين قذرين" وعد بفضح أسمائهم قريبا علي الموقع.
فيديو آخر أقل شعبية، لكن مستواه الفني أكثر ارتفاعا، مقَّدم كرسالة شعرية إلي السيدة الأولي "سوزان مبارك" علي نغم النشيد الوطني معزوفا بطريقة بدائية كما يحدث في طابور الصباح بالمدارس الحكومية، الرسالة التي تنضح بالأسي مقدمة من طفل ظهر في التليفزيون مع "ماما سوزان" أيام "الوفاء والأمل"، ويصف صاحب الفيديو نفسه بأنه كان "واد هبلون" بينما ترسم يده صور لتليفزيون ورسم طفولي لسيدة، ثم يمسح الراسم الصورتين وهو يعتذر لسيدته عن الأغنية التي تعكس صوت الحرية. ينقلب حال الفيديو بمجرد بدء الرسالة نفسها؛ بوجود موسيقي سريعة هناك طفل اسمه "شعبان" يعمل هو وإخوته في بيع البرشام، وشاهده الفنان بنفسه وهو ينافس كلب شوارع علي الطعام، كم مليون طفل مثل شعبان؟ يتساءل الرسام ويضيف أنهم يخلعون ملابسهم من أجل "ظباط الفرعون"، ويحلمون بالبيت والمدرسة والطعام والأمان. الفيديو جذب أكثر من 83 ألف مشاهد، وبتقدير 5 نجوم، مع تعليقات لا تزيد علي 21 فقط، ربما لأنه أكثر إتقانا وغير زاعق مثل الفيديو الأول، وكل التعليقات تهنئ صاحبه بالفكرة الجيدة التي انتقدت بصدق، وبدون التورط في الإهانات الشخصية. حقوق الملكية الفكرية للفيديو ترجع إلي "ماتودينيش في داهية"، وهو اسم افتراضي لهذا الفنان علي اليوتيوب، وسيتكرر كثيرا إذا تابعت شبكة الفيديوهات التي تؤدي إلي بعضها بشبكة لا تنتهي.
إذا كان هناك تفكير حقيقي حاليا لحجب مواقع فيس بوك واليوتيوب، فعلي الحكومة في الفترة القادمة أن تمنع أجهزة الموبايل المزودة بكاميرا فيديو، فالفيديو القادم كان منتشرا في السابق بين أجهزة المحمول، لكنه انتقل إلي الموقع مؤخرا فقط، وفيه يظهر سائق سيارة وهو يقلد الرئيس، بنفس الصوت واللهجة، متحدثا عن مفاوضات مع "شارون" رئيس وزراء إسرائيل، مستخدما نفس حركات الأنف والفم، ولحظات التردد إياها. حجم المشاهدات هنا بلغ 174 ألف مشاهد، وبنفس التقدير، و88 تعليقاً أغلبها عن الإضراب ومواضيع أخري عامة عن الفساد.
نفس الفنان السابق، وضع فيديو آخر كتهنئة للرئيس بعيد ميلاده، اسم الفيديو وموضوعه يوحي بأنه تهنئة حقيقية، وهو يبدأ بيد تشعل شمعتين أمام صورة للرئيس، مع أغنية "سنة حلوة يا جميل"، لكن فجأة ينقلب الفنان ويستبدل "يا جميل" بألقاب أخري هي أيضا يعاقب عليها قانون النشر الجديد، ويكراها أعضاء جمعية "شباب المستقبل"، لكن أغلبنا يعرف ما قاله الفنان، ونحسده علي الحرية التي أتاحها له فضاء الإنترنت.
بالحديث عن الأسرة الرئاسية، لا يمكن المرور بصمت علي الرئيس القادم، فيديوهات كثيرة اتخذت من "جمال مبارك" مادة لها، أحدها فيديو قديم بتقنية التحريك ثلاثي الأبعاد يظهره علي خلفية شعار الحزب الوطني، "فكر جديد"، وهو يغمغم بكلام غير مفهوم لكنه يتلقي تصفيقاً رهيباً من الحاضرين علي هذه الغمغمة، وهناك فقرة أخري جديدة من "ماتودينيش في داهية" عبارة عن مقطع صوتي بدون صورة، أغنية تأتي من وجهة نظر "جمال" وهو يروج لاتجاهاته، مثل أن ينفي تشابهه مع شقيقه "علاء"، ويقول أنه ملك الجمال ويرشح نفسه للتوريث.
لا يمكن في مقال واحد حصر عشرات من الفيديوهات الساخرة ضد الرئيس وعائلته وحاشيته، ومع الدعاوي الحالية لحجب مواقع مماثلة، فإن اليوتيوب ليس خفيا عن أعين إخصائيي التكنولوجيا في مباحث أمن الدولة، وبشكل تقني يمكن حجب مثل هذه المواقع، السعودية استثمرت في مشروع ضخم لحجب المواقع الجنسية وغير العائلية، وغير الملكية، لكن هذه الجهود تفشل عادة لأن هناك طرقاً جانبية تتيح تجاوز وسائل المنع، والحل الآخر أمام أمن الدولة هو تتبع مشاهدي الفيديوهات وصناعها، الآن هناك قرارات تجبر شركات المحمول علي جمع بيانات مستخدمي شبكة الواي فاي في المطاعم والكافيتريات، وهناك مشروع آخر يجري لتسجيل كافة بيانات أي مستخدم للإنترنت في مقاهي الإنترنت والأماكن المزودة بشبكات لاسلكية، أما مستخدمو المنازل فتعقبهم نجح منذ زمن طويل طويل عن طريق شركات الإنترنت نفسها، بسماحها لضباط الداخلية بالولوج إلي أجهزتها لمعرفة عناوين المستخدمين. واقع من الكوميديا السوداء أكثر منه سياسياً، ويذكرك بروايات "جورج أورويل"، عالم يراقبك فيه الأخ الأكبر، وتسيطر "وزارة الحقيقة" علي كل من فيه.


كتبت هذه المقالة في مايو 2008، ونُشرت في جريدة البديل.. أرغب في كتابة شيء عما حدث في عامين ونصف: أفلست البديل، وكذلك تقريبا عمرو أديب الذي قرأت بالأمس مقالة كتبها ضده عبد الله كمال يبشره فيها بالـ "الخروج المطمئن من مهنة الصحافة والإعلام"، عبد الله كمال كان قد بشر قبله إبراهيم عيسى بأن أيامه قاربت على الانتهاء، وبعدها تم منعه من الظهور تليفزيونيا وتم تفجير جريدة الدستور من الداخل، منذ أيام تم وقف برنامج "مانشيت" لجابر القرموطي، وكذلك "القاهرة اليوم" لعمرو أديب منذ شهور، ومنى الشاذلي تشغل وقت برنامج "العاشرة مساءً" بلقاءات مع الفنانين وفقرات عن الإنترنت، قامت الدنيا ضد قتلة خالد سعيد وقعدت دون تأثير يُذكر، إسرائيل تتمتع بالغاز المصري رغم قررات القضاء وسامح فهمي يفكر في استيراد الغاز لسد العجز الداخلي ثم يرشح نفسه لمجلس الشعب، وينجح، ثم يقف مبارك وسط مجالسه التي تلهج بحكمته ويقول: "خليهم يتسلوا".

انتهت

No comments: