Pages

دليفري للبهوات

Saturday, April 7, 2012

البرادعي لا يقفز في الماء

لم أبتلع أبدا أزمة "فاتن حمامة" مع "أحمد رمزي" في فيلم "حب ودموع" (لمن فاتتهم مشاهدته عندما كنا نلتف حول شاشة القناة الثانية: فاتن ابنة عامل فقير وتحب الضابط البحري الذي يتركها ويسافر في مهمة عاجلة وغامضة، بينما يحاصرها الثري العجوز "زكي رستم" عبر توريط والدها مدمن الخمر، لكن الأب يثور فجأة ويقتل الثري فتهرب البنت لتقع في يد القواد "ستيفان روستي"، وتلتزم فترة بالشرف لكنها تقرر السقوط إنقاذا لصديقتها المغنية المعتزلة "عقيلة راتب"، ويعود حبيبها البحار تماما قبل سقوطها بلحظات).


كل شيء في الفيلم يبدو غير واقعي ويتناقض مع المنطق، بداية من "فاتن" التي تتناقض ملابسها مع فقرها (وهذه إشارة مستمرة في أفلامها إلى أن الشخصية لا تنتمي للواقع الفقير)، وإصرار القواد على إسقاطها في الرذيلة (أنا شخصيا أفضل عقيلة راتب، فعلا)، ثم علاقتها مع الضابط البحري (كأن كل فتيات فترة الخمسينات كان عليهن الاختيار بين البحار والطيار، وكلاهما يغيبان فجأة).. ويقولون عنا أننا غير بارعين في الأفلام الخيالية.


لكن أكثر ما يثير غيظي في الفيلم هو رد فعلها عند سفر حبيبها المفاجئ؛ لقد سافر وتركها بدون أن تعلم موعد عودته ولم يرد على رسائلها، وعوضا عن أن تدرك الرسالة الخفية في الموضوع كله (فلنتذكر أن رمزي كان يتعمد التطوع في البحرية ليتخلص من البنات في فيلم آخر)، تقرر أن تلتزم بدستور الرومانسية وتنتظره، فتفقد والدها وتكتسب خبرة لا بأس بها في المواخير وتقف على حافة الرذيلة. أي صديقة متوسطة الخبرة كانت ستخبرها أن المسألة انتهت فعلا وعليها أن تخطط لتشويه وجه البحار بحامض الكبريتيك المركز ثم تنظر للحياة بتفاؤل. لكن هذا لا يحدث، بل تذهب الحمقاء إلى الميناء في محاولة بائسة للحاق به (وكأنه سيقفز في الماء من أجلها، هذا لم يحدث لكن عمر الشريف فعلها في فيلم آخر لأجلها)، وتنتهي محاولتها عند السور الحديدي الصدئ.


قصة الحب الأفلاطونية هذه تذكرني بمن ينتظرون البرادعي الآن (ومن كانوا ينتظرونه منذ شهرين، ومنذ عام، ومنذ عامين). كنت في مكتب توثيق مصر الجديدة لأنهي وثيقة التأييد الخاصة بي، محتلا بقعة ممتازة فوق رأس الموظفة المنتقبة لكي أراقب عدد وثائق التأييد لكل مرشح في هذا اليوم، كان الأمر يسير على هذا المنوال: أبو إسماعيل، أبو إسماعيل، بوسماعيل، سماعيل، أبو الفتوح، خيرت، ماعيل، عيل إيل إيل إيل.
لم يكونو ملتحين ومنتقبات، بل شباب عادي ربما لم يدخلوا بعد مرحلة "عمرو خالد".
كدت أمل من المراقبة حتى سمعت صوت الموظفة تتسائل "هو مش انسحب؟". كان هذا بالنسبة لها هو الظهور الأول لأحد مؤيدي البرادعي بعد أسبوع من بدء جمع وثاق التأييد. ابتسم الفتى ولم يرد، وغالبا ليس لديه رد.. مرآة الحب كما تعرفون.
لا جدال في وسامة "أحمد رمزي"، وعندما يكون بحارا فإن الإغراء هنا لا يُقاوم، وما رأيته غير منطقي هو أنه لا مقارنة بينه وبين البنت الفقيرة، لذلك كان من الأسلم لهما أن يستمر كل منهما في حياته بدون تطلعات طبقية مستحيلة. يستمتع هو بزوجة في كل ميناء وينهي حياته بملكة جمال إيطالية (مونيكا بيلوتشي مثلا أو صوفيا لورين لنراعي الحقبة الزمنية)، وتبحث هي عن جدع من حارتها ينتشلها من الحضيض، ولو أسعدها الحظ ربما تجد موظفا شابا تم تعيينه حديثا في الهيئة (الفيلم يدور في بورسعيد)، موظف من النوع الذي لا يفجر خيال البنات، لكنه يفتح البيت ويسدد الأقساط. كان هذا سيجنبها ارتشاف مشروب الفتاة المهذبة على يد "ستيفان روستي".


نفس القصة تحدث لنا خارج الفيلم. والله أعرف أن البرادعي خسارة في أهالينا (فعلا)، إنه مثقف ولديه خيال، وهو مثالي لدرجة لا تتوافر عادة في السياسيين، لكنه مثل البحّار، يذهب ويعود بلا مواعيد، تاركا أنصاره يدبرون أنفسهم كل مرة خلال غيابه. أتذكر منذ عام ونصف، قبل الثورة تماما، كنت وصديق لي غاضبين من سفريات البرادعي الكثيرة واتفقنا على ضرورة تجاوزه (تتذكرون؟)، ثم تجاوزناه فعلا بالثورة وأصبح عليه هو أن يتفاعل مع انطلاقنا، أن يرضينا ويبحث عنا، لكن دائما هناك ثقب بالقلب يسمح بتسرب الإساءات القديمة، فنسينا، وسافر من جديد.
البرادعي قصة مثالية لا تنتهي بطريقة سعيدة، وأعتقد أنه ينبغي أن نضع نهاية لها لأن القواد أصبح يقترب فعلا من هدفه، والعجوز الثري لا يزال حيا، وأضيف إليهما مصاص دماء وعدة فتوات صغار، وفتاتنا الفقيرة ليست منيعة أمام كل هذا. كفانا حبا ودموعا.


3 comments:

بنت القمر said...

ضحكت لما شرقت:))

كراكيب said...

قولت كل اللي ف نفــسي

حلوة فعلاً يعني

Mohamed Emad Hegab said...

بص انا اول مرة ارد في بلوج من فترة طويلة و اللي يعرفني يعرف اني رميت طوبة البرادعي (كمرشح رئاسة من زمن) لأنه ببساطة بقى عامل زي واد بيحب بنتي بس جبان خايف يتقدملها أحسن أهزقه او يسمع مني كلمتين..المهم... كلمتك انك تجاوزت البرادعي و انتا و انا و اللي زينا و عملنا ثورة هي دي بالذات اللي كان عاوزه البرادعي..احنا كلنا جوانا عقدة الأب ..لازم الرئيس ده يبقى كامل من كل ناحية .. سوبر مان ..حتى سوبر مان بيلبس اللباس بتاعه بره و لونه أحمر و ده عيب خطير عندنا..المهم اننا مستنين منقذ دايما.. و البرادعي قال ..لن أكون منقذكم أنتم من ستنقذون أنفسكم..ماتنكرش ان كلامه خلاك تقول من جواك يوم ٢٤ يناير لما لقيته بره مصر..يلعن أبو شكلك يا أخي انا نازل..ماهو لو ماكنش كده كان اول ما البرادعي انضرب يوم ٢٨ يناير و اتحددت اقامته كان زمان المولد انفض لو معتمدين على صموده و احنا بنتكلم عن راجل عضمة كبيرة..القصد في الاخر خلينا نتفق اني محترمه كسياسي فشيخ و لو الحزب بتاعه فعلا كمل حابقى من أوائل الناس فيه أو هكذا أزعم لأن حزب برؤيته حايبقى أقوى كتير من الإخوان هو بس يحط الأساسيات و يفكه منه بعد كده مش مهم ..