Pages

دليفري للبهوات

Monday, December 27, 2010

أفلام الرئيس وعائلته على اليوتيوب

لا يحتاج الأمر إلي تكاليف ضخمة لكي تصنع دعاية سياسية، منذ أكثر من عامين وظف الحزب الوطني المخرج الكبير "شريف عرفة" والمذيع الأكبر "عماد أديب" لصنع فيلم وثائقي عن الرئيس "مبارك"، والنتيجة نعرفها كلنا عندما لم يؤثر الفيلم في ميول الناخبين المصريين، لا يحتاج الأمر لفيديو أصلا ما دام الجميع لديهم المعرفة الأساسية بموضوعات مثل أزمة الخبز وأسعار الوقود وتصدير الغاز لإسرائيل، لكن المعارضون يحتاجون إلي أفلام من نوع مضاد، ورغم أن غزو المعارضة للإنترنت بدأ من أعوام قليلة، إلا أنه بشكل عفوي غير منظم، يزدحم موقع "YouTube" بأفلام دعاية مضادة ضد الرئيس وعائلته، أغلبها ساخر وبمعني قصير الفتيل كأغلب النكت المصرية، مع مسحات واضحة من الأسي والغضب، وأحيانا الإبداع الفني.
أكثر الفيديوهات قسوة وشعبية علي الموقع يحمل اسم "مصر.. حسني مبارك"، وضع الاسم بهذه الطريقة يفيد واضعه في ربطه بسهولة مع أي فيديو آخر يحمل اسم "مبارك" أو "مصر"، وبالفعل أفاد هذا في زيادة عدد مشاهدي الفيديو الذي بلغ أكثر من 264 ألف مشاهد، وهو رقم كبير قياسا علي عدد مستخدمي "يوتيوب" المصريين، وحصل علي تقدير 4 من خمسة. الفيديو نفسه ينتمي لفن "الفيديو آرت" المصمم ببرنامج "فلاش"، يبدأ الفيديو بخريطة مصر تظهر عليها عبارة "مملكة مبارك"، علي خلفية موسيقية لواحدة من أشهر أغنيات "سعد الصغير"، مجرد ذكر اسم الأغنية سيعطي الفرصة لإغلاق الصحيفة والموقع حسب قوانين النشر الجديدة التي تمنع حتي إهانة رؤساء الدول الأخري، لكن كلنا نعرف الأغنية المقصودة.
بذل مصمم الفيديو مجهودا كبيرا بعد ذلك في تركيب صور مبارك علي خلفيات جديدة، مثل صورته بتاج الملكية، أو وجهه مكان وجه الملك "فاروق" مع عبارتي "آن الأوان" بالعربية و"ملك مصر للأبد" بالإنجليزية. بعد هذا ينتقل الفيديو لعلاقات الرئيس مع "جورج بوش" وصورة "جمال مبارك" في الخلفية، وصورة أخري مأخوذة من مؤتمر صحفي للرئيس وخلفه علم إسرائيل. الفيديو استفز 418 تعليقا من المشاهدين، كان آخرهم قبل 3 ساعات من كتابة المقال، رغم أن الفيديو نفسه موجود علي الموقع منذ 3 شهور وأكثر. التعليقات كان أغلبها يهنئ مبدع الفيديو، وبعضها يعلن عن إضراب 4 مايو، أو إعلان عن صلاة الغائب لشهداء المحلة، والتحقت بها شكاوي زيادة الأسعار مؤخرا فقط، أحد المعلقين نشط في الدفاع عن الرئيس وتجريم صاحب الفيديو، مستخدما اللغة الإنجليزية، مع تفرغه للرد علي معلقين آخرين، أحيانا بألفاظ جنسية بذيئة، واتهم صاحب الفيديو بأنه واحد من "فلسطينيين قذرين" وعد بفضح أسمائهم قريبا علي الموقع.
فيديو آخر أقل شعبية، لكن مستواه الفني أكثر ارتفاعا، مقَّدم كرسالة شعرية إلي السيدة الأولي "سوزان مبارك" علي نغم النشيد الوطني معزوفا بطريقة بدائية كما يحدث في طابور الصباح بالمدارس الحكومية، الرسالة التي تنضح بالأسي مقدمة من طفل ظهر في التليفزيون مع "ماما سوزان" أيام "الوفاء والأمل"، ويصف صاحب الفيديو نفسه بأنه كان "واد هبلون" بينما ترسم يده صور لتليفزيون ورسم طفولي لسيدة، ثم يمسح الراسم الصورتين وهو يعتذر لسيدته عن الأغنية التي تعكس صوت الحرية. ينقلب حال الفيديو بمجرد بدء الرسالة نفسها؛ بوجود موسيقي سريعة هناك طفل اسمه "شعبان" يعمل هو وإخوته في بيع البرشام، وشاهده الفنان بنفسه وهو ينافس كلب شوارع علي الطعام، كم مليون طفل مثل شعبان؟ يتساءل الرسام ويضيف أنهم يخلعون ملابسهم من أجل "ظباط الفرعون"، ويحلمون بالبيت والمدرسة والطعام والأمان. الفيديو جذب أكثر من 83 ألف مشاهد، وبتقدير 5 نجوم، مع تعليقات لا تزيد علي 21 فقط، ربما لأنه أكثر إتقانا وغير زاعق مثل الفيديو الأول، وكل التعليقات تهنئ صاحبه بالفكرة الجيدة التي انتقدت بصدق، وبدون التورط في الإهانات الشخصية. حقوق الملكية الفكرية للفيديو ترجع إلي "ماتودينيش في داهية"، وهو اسم افتراضي لهذا الفنان علي اليوتيوب، وسيتكرر كثيرا إذا تابعت شبكة الفيديوهات التي تؤدي إلي بعضها بشبكة لا تنتهي.
إذا كان هناك تفكير حقيقي حاليا لحجب مواقع فيس بوك واليوتيوب، فعلي الحكومة في الفترة القادمة أن تمنع أجهزة الموبايل المزودة بكاميرا فيديو، فالفيديو القادم كان منتشرا في السابق بين أجهزة المحمول، لكنه انتقل إلي الموقع مؤخرا فقط، وفيه يظهر سائق سيارة وهو يقلد الرئيس، بنفس الصوت واللهجة، متحدثا عن مفاوضات مع "شارون" رئيس وزراء إسرائيل، مستخدما نفس حركات الأنف والفم، ولحظات التردد إياها. حجم المشاهدات هنا بلغ 174 ألف مشاهد، وبنفس التقدير، و88 تعليقاً أغلبها عن الإضراب ومواضيع أخري عامة عن الفساد.
نفس الفنان السابق، وضع فيديو آخر كتهنئة للرئيس بعيد ميلاده، اسم الفيديو وموضوعه يوحي بأنه تهنئة حقيقية، وهو يبدأ بيد تشعل شمعتين أمام صورة للرئيس، مع أغنية "سنة حلوة يا جميل"، لكن فجأة ينقلب الفنان ويستبدل "يا جميل" بألقاب أخري هي أيضا يعاقب عليها قانون النشر الجديد، ويكراها أعضاء جمعية "شباب المستقبل"، لكن أغلبنا يعرف ما قاله الفنان، ونحسده علي الحرية التي أتاحها له فضاء الإنترنت.
بالحديث عن الأسرة الرئاسية، لا يمكن المرور بصمت علي الرئيس القادم، فيديوهات كثيرة اتخذت من "جمال مبارك" مادة لها، أحدها فيديو قديم بتقنية التحريك ثلاثي الأبعاد يظهره علي خلفية شعار الحزب الوطني، "فكر جديد"، وهو يغمغم بكلام غير مفهوم لكنه يتلقي تصفيقاً رهيباً من الحاضرين علي هذه الغمغمة، وهناك فقرة أخري جديدة من "ماتودينيش في داهية" عبارة عن مقطع صوتي بدون صورة، أغنية تأتي من وجهة نظر "جمال" وهو يروج لاتجاهاته، مثل أن ينفي تشابهه مع شقيقه "علاء"، ويقول أنه ملك الجمال ويرشح نفسه للتوريث.
لا يمكن في مقال واحد حصر عشرات من الفيديوهات الساخرة ضد الرئيس وعائلته وحاشيته، ومع الدعاوي الحالية لحجب مواقع مماثلة، فإن اليوتيوب ليس خفيا عن أعين إخصائيي التكنولوجيا في مباحث أمن الدولة، وبشكل تقني يمكن حجب مثل هذه المواقع، السعودية استثمرت في مشروع ضخم لحجب المواقع الجنسية وغير العائلية، وغير الملكية، لكن هذه الجهود تفشل عادة لأن هناك طرقاً جانبية تتيح تجاوز وسائل المنع، والحل الآخر أمام أمن الدولة هو تتبع مشاهدي الفيديوهات وصناعها، الآن هناك قرارات تجبر شركات المحمول علي جمع بيانات مستخدمي شبكة الواي فاي في المطاعم والكافيتريات، وهناك مشروع آخر يجري لتسجيل كافة بيانات أي مستخدم للإنترنت في مقاهي الإنترنت والأماكن المزودة بشبكات لاسلكية، أما مستخدمو المنازل فتعقبهم نجح منذ زمن طويل طويل عن طريق شركات الإنترنت نفسها، بسماحها لضباط الداخلية بالولوج إلي أجهزتها لمعرفة عناوين المستخدمين. واقع من الكوميديا السوداء أكثر منه سياسياً، ويذكرك بروايات "جورج أورويل"، عالم يراقبك فيه الأخ الأكبر، وتسيطر "وزارة الحقيقة" علي كل من فيه.


كتبت هذه المقالة في مايو 2008، ونُشرت في جريدة البديل.. أرغب في كتابة شيء عما حدث في عامين ونصف: أفلست البديل، وكذلك تقريبا عمرو أديب الذي قرأت بالأمس مقالة كتبها ضده عبد الله كمال يبشره فيها بالـ "الخروج المطمئن من مهنة الصحافة والإعلام"، عبد الله كمال كان قد بشر قبله إبراهيم عيسى بأن أيامه قاربت على الانتهاء، وبعدها تم منعه من الظهور تليفزيونيا وتم تفجير جريدة الدستور من الداخل، منذ أيام تم وقف برنامج "مانشيت" لجابر القرموطي، وكذلك "القاهرة اليوم" لعمرو أديب منذ شهور، ومنى الشاذلي تشغل وقت برنامج "العاشرة مساءً" بلقاءات مع الفنانين وفقرات عن الإنترنت، قامت الدنيا ضد قتلة خالد سعيد وقعدت دون تأثير يُذكر، إسرائيل تتمتع بالغاز المصري رغم قررات القضاء وسامح فهمي يفكر في استيراد الغاز لسد العجز الداخلي ثم يرشح نفسه لمجلس الشعب، وينجح، ثم يقف مبارك وسط مجالسه التي تلهج بحكمته ويقول: "خليهم يتسلوا".

انتهت

Sunday, December 26, 2010

كاتبو الخطابات

كنت أعتقد دوما أن إرسال شخص ما خطاب إلى كاتبه المفضل أو المطبوعة التي يهواها هي خطوة تحتاج إلى خلل نفسي ما في هذه الشخصية، بريد القراء حافل بالنماذج الإنسانية بالغة الغرابة،لكن خطوة التعبير عن الرأي لشخص أو جهة غير محددة تحتاج فعلا أن يكون المُرسل بعيدا إلى حد ما عن حقائق الحياة البسيطة، وهي أنه يرسل رأيه إلى فضاء واسع وبعيد،وفي الفضاء لا يسمع أحد صراخك.

بينما أفكر في هذه المدونة، كنت أقلب في مواقع الجرائد اليومية، وعادة ما تعتمد وجبتي الرئيسية على مقالات الكتاب، عادة ما أراجع تعليقات القراء بحثا عن رأي إضافي أو لاستكشاف رأي الجماعة في الموضوع، اليوم وجدت أحد أهم التعليقات التي تبرز الخلل النفسي الذي أراه: رجل يعترض على تأخر جريدة الشروق عن نشر تعليقاته، وهذا كثيرا ما يحدث بسبب عجز إداري بالموقع، المهم أن الرجل يعلن أنه معتصم هاهنا الآن بهذه الصفحة اعتراضا على المعاملة السيئة، ولم يحدد كيف يمكن للموقع أن يرد له حقه، ثم استطرد بإنه سيقلع عن التعليق عقابا للموقع، رغم أن التعليق يظهر منشورا الآن، لكنه في الغالب سيقلع عن إقلاعه بمجرد ملاحظته هذا.

النماذج لا تنتهي،في مجلة سينما جود نيوز اعتاد أحدهم أن يرسل خطاباته المخلصة على ورق كراسة من النوع الذي كنا نتسلمه أيام المدارس الأميري، واعتاد وائل حمدي مدير التحرير وقتهاأن يحتفظ بهذه الخطابات النادرة التي لم تكن تحمل أي توقيع، ثم في مرة نشر تنويهاعنها في ملف عن أبرز الخطابات التي وصلتنا، وبعد أن سنوات غادر حمدي المجلة وتسلمت بعده باب البريد، وأجدهم يدفعون لي بخطاب يحمل البصمة الورقية إياها، لكن هذه المرة يعلن اسمه ويعترف باللعبة العجيبة التي مارسها طوال الوقت مع حمدي، ثم يطالب باشتراك مجاني في المجلة.. لعله أدرك من نفسه أن اللعبة قد انتهت بتغير طرفها الثاني.

أحيانا تندهشعندما تجد تعليقا إلكترونيا يُبلغ عن انفجار أنبوب مياه بينما المقال الأصلي عنالسياسة، وفي مرة أعطاني محرر تحقيقات خطابا ورده من شخص يدعي أنه محافظ الفيوم وأنه لواء سابق وينتسب أصله لمحمد علي باشا ويبدو من خطابه أن ثلاثة عقول اشتركت في كتابته بالتوازي. قلت للمحرر صديقي أن يحتفظ بهذا الخطاب لأنه تحفة إنسانية أصلية عن الخلل النفسي الذي أعنيه، بل أنني رجوته لاحقا أن يعطيني نسخة من هذه التحفة.

مع بزوغ فجر مهمة التعليق،ظهر للأمر فائدة لا يمكن مقاومتها، فحتى لو لم تكن تتمتع بالخلل إياه، فيمكنكممارسته مؤقتا لتفريغ طاقتك، يمكنك مثلا أن تمارس أقصى قدر من الخطورة مثل المعلق الذي كتب أسفل أحد أخبار الرئيس "لو كان مبارك رجلا لقتلته"، وهو تعبير بارع لكنه لم يبرد نار صاحبه فكتب في السطر التالي "يا مبارك يا ابن الـ..... "،غالبا سيشعر هذا المعلق بإثارة بالغة تدفعه لمغادرة الشبكة أياما وأسابيع، وهو يظن أن أمن الدولة تقلب المواقع بحثا عنه (هم يراقبون معظم شبكتنا بالفعل لكنهم يتمتعون بنفس غباء موظفي البلديات). الأمر كما لو أنه صرخ بأعلى صوته أمام مرآة الحمام المغلق جيدا، وكما يقول واحد من أصدقائي: الرجل ذو اللحية البيضاء الذييكتب التاريخ لن يقلق نفسه بتسجيل سيرتك عندما تكون تافهة بالفعل.

الآن، وفي خضممعارك التغيير والتوريث والتسليم بالحكمة الحاكمة، ظهرت مهنة جديدة في مساحات التعليق: المعلقون الخاصون. أشخاص يتولون الدفاع عن هيئات معينة وأشخاص نافذون، ينتحل الواحد منهم عدة أسماء في الصفحة الواحدة، وأحيانا يكون الهدف هو مجرد الرد على ما يدعيه الكاتب، أو الرد على مؤيديه، أو حتى إثارة صراعات جانبية تتجاوزالموضوع الأصلي لتجنح إلى وصلات شتائم حلقية لا تنتهي. بالأمس قابلت واحدا منهؤلاء.

المكان كان بأسفل مقال للسفير السابق إبراهيم يسري في جريدة الشروق، يشرح فيها عدم خضوع وزارة البترول لأحكام القضاء بشأن تصدير الغاز لإسرائيل، وعلاقة هذا بانقطاعات الكهرباءالمتكررة. عادة لا يثير السفير يسري قدرا كبيرا من التعليقات، لكني وجدت دستة منها تهاجمه بوصفه مجرد سفير يدعي الخبرة بشؤون البترول، وأنه يسعى للدفاع عن وزيرالكهرباء، وأنه هو الذي لا يحترم أحكام القضاء.

ما رأيته لم يكن كافيا لدفعي إلى التعليق، فالرجل رد بأدب على منتقديه وقال أن هناك خبراء غيرهيهتمون بالقضية، الحقيقة أنني كنت في ذات المزاج المختل الذي يدفع الناس لإرسالالخطابات إلى محرر البريد على ورق منتزع من قلب كراسة قديمة. كنت أيضا منتشياباكتشاف صغير، فبعد مراجعة ما كتبه منتقديه، وجدت أن التعليقات كلها ترجع لشخص واحد، اثنين على الأكثر.

تكون مهمة الكتابةشاقة للمبتدئين، كلنا كنا نركز في كل حرف لنا ونحن بجملنا الأولى، بعد مدة، يصبحالهاجس المسيطر على الكاتب هو ملاحقة أفكاره المتصارعة وتركيزها تاركا المهامالأساسية إلى جزء جانبي من عقله، ولهذا فإن لكل كاتب بصمة مصدرها هذا الجزءالجانبي: استخدام الفصلات، الهمزات، النقاط، العلامات، طريقة التساؤل، ألفاظ معينة، معدل تكرار حرف الجر المفضل، تقديم الفاعل وتأخير المبتدأ. الأهم من هذاكله هو الوعاء الذي يستقي منه التعبيرات والألفاظ، والأخطاء الشائعة إملائياونحويا. وهي كلها دلالات تشير معظمها لصحة استنتاجي. بأنه مُعلق مأجور، وأفترض أنه مأجور لأنه لا شيء يجبره على انتحال عشرات الشخصيات في قضية واضحة لمعظمنا.

ملعبة، بدأت فياستفزاز هذا الشخص، كنت أريد معرفة كيف يتصرف كاتب تعليقات مأجور. يعتمد هذا النوع من البشر على اختفائهم وسط كتلة عشوائية ساخنة من المعلقين المخلصين في اختلالهم،معظم الأخيرين لا يقرأون المقالات جيدا، وهم يرغبون في التعبير عن أنفسهم أكثر من مناقشةالمقال الأصلي، ولهذا تتوجه تعليقاتهم غالبا ناحية سطر معين استفزهم، وفي وسط هذاالجمع الغريب يمكن لأي أحد أن يصنع رأيا عاما بالصفحة إذا شارك بكثافة. يتحدثالسفير عن عدم شرعية بيع الغاز لإسرائيل فينتقد المعلق المأجور عدم كونه خبيرا بتروليا (الحقيقة أنه لا خبرة في مصر بهذا المسمى).

قلت له أنت نرمين ومجدي وعمرو ومصري.. وإلى آخر أسمائك المستعارة، فرد عليّ باسم جديد يتهمني أنا الآخر بترويج الخرافات وعدم الخبرة، مما أسعدني لأن ضربتي وفقت، نقلت ادعائي لمستوى اتهامه بأنه مأجور وأنه يتلقى من أوامره من الوزير، واستخدمت نفس أسلوبه ففتحت معركة جانبية حول شركة افتتحها وزير البترول لتعيين أبناء الكبار فيها، وفعلا جاءمعي في الطريق الجديد وانطلق يدافع عن نموذج الاقتصاد الوطني البترولي، مع نفس الاتهام بعدم الخبرة.

في لحظة ما أمسكت بنفسي وأنا أكاد أسبه بأهله هذا المأجور الجاهل الغبي ابن الـ .....، يتهمني بانعدام الخبرة.. وماذا لو عرف أنني خبير فعلا بشهادتي في الجيولوجيا؟ مقتضيات الحياة الحديثة في مصر أصبحت تغرينا عشرات المرات يوميا بأن نعرف الآخرين بقدرنا وقدراتنا، وكأننا في إشارة مرور ضخمة يكرر فيها الكل سؤال: أنت عارف أنا مين؟

آه، هكذا إذن تتطور المشاجرات أسفل المقالات، تذكرت أن الأمر لعبة، لا مغلوب فيها ولا غالب، فهو سيظل للأبد قارئ السطر الواحد كما تقتضي مهمته، ولن يسجل رجل التاريخ أنني أحرجته أو أنه خرج بدون أن يعرف قدري. في النهاية اشترك شخصان في التصارع على مساحة صغيرةبالفضاء الواسع الذي لم يسمع أحد فيه صراخهما.



Thursday, December 23, 2010

الخائفون الكبار


انظر، هكذا تبدأ الحكاية: الكاتب الصغير يريد أن يحصل على اعتراف بموهبته، وهو شيء ليس له علاقة بمدى نجاحه، فلكي ينضم إلى تلك الجمعية السرية الوهمية التي تضم الكتاب، هناك بوابة يجب أن يمر بها، وضرائب يجب أن يسددها.
لا أعرف معنى أن تكون كاتبا كبيرا، الرجل الذي دفعني في كتفي لأترنح في مهنة الكتابة كان يقول ساخرا أن الكاتب الكبير هو الذي يكتب بقلم كبير. الحمد لله، عندما بدأت في المهنة، عملت مع مجموعة تفضل التعامل مع الشباب، ولم أصادف واحدا من أصحاب الأقلام الكبيرة.
عندما تدخل مهنة الصحافة، فإن مدى إجادتك للكتابة هي التي تفرض عليك طريقك، وكأننا في غرفة فرز قبل التوزيع على أسلحة الجيش: من يكتبون بصعوبة يحصلون على أجهزة تسجيل ويقضون حياتهم في الجري وراء الأخبار وإجراء الحوارات، من يستطيعون الكتابة عن أفكار الآخرين يصبحون رؤساء للذين يكتبون بصعوبة وعليهم تنظيف كتابتهم الركيكة، أما من يمتلكون أفكارهم الخاصة ويمكنهم التعبير عنها بالكتابة فيشاركون في العمل بتأفف، لكنهم يعرفون أنها مرحلة مؤقتة قبل الانتقال للكتابة الحرة التي لا يلتزمون فيها بالقيود المهنية للصحافة.
كتابة مقال تحتاج أن يكون لك تصورا خاصا للعالم من حولك، وكتابة قصة تعني أنك مصاب بدرجة من الغرور تجعلك تعتقد فعلا في هذا التصور. نعم، الغرور هو جزء أساسي من الكيمياء الغامضة التي تدفعنا للكتابة.
كنت أندهش لأن الكثير ممن فرزوا أنفسهم بالفئة الثالثة يكبتون هذا الغرور من أجل الانطواء تحت جناح أحد الكبار، سيغضب هذا الكلام كثيرين، لكننا نعرف كيف سار الأمر مع البعض: زيارة الأستاذ الكبير، استطلاع رأيه في المسائل المهمة، عرض كتابتك عليه، انتظار رأيه وتوجيهاته، ملاحظاته المنشغلة، هذا خطأ، الأمر ليس هكذا، في أيامنا كنا، أنتم، عليك، خطأ، خطأ، خطأ.. انظر لهذا.
لوهلة ينجح الأمر، قد يطلب منك المساعدة في بعض المهام، وقد يرشحك لعمل لدى آخرين، وستنضم لحاشيته، شرط أن تلتزم بأفكاره. هذه هي الضريبة، ولا أحد يتعلم بالمجان، لن يلزمك صراحة بأن تكون تلميذا للأبد، لكنك هكذا ستصبح، بعد أن تربط نفسك في شبكة خفية بالالتزام تجاه منظومة معينة من الأفكار، أستاذك نفسه لا يملك فكاكا منها.
وجدت نفسي بمشهد نموذجي أثناء حفل توقيع كتاب صديق قديم، ناشره هو كاتب قدم رواية واحدة قوية في التسعينات ولم يتوصل للنغمة الممتعة مرة أخرى، لكنه يستعد لأن يكون أحد الأساتذة الكبار في المنظومة الفكرية التي نتمي إليها. صديقي كان مؤدبا، وقناعاته الشخصية لا تختلف كثيرا عن تلك المنظومة التي تم تعميده بها، لكن رغم هذا كان المشهد وحشيا.
شعرت بالرعب وأنا أرى كيف يتم تلقينه وإجباره على اعتناق تلك الأفكار في طقوس لا تتيح له التفكير أو المناقشة أو الاختيار. كما لو أنه هناك خوف من تسلل عضو جديد لنادي الكتاب لا يؤمن بأن الستينات كانت أفضل وأن الوهابية تحاصرنا وأننا نعيش في أحط عصور الفن والثقافة.
هناك كتاب كبار، كبار فعلا ولا يستخدمون أقلاما ضخمة، لم ينتمي نجيب محفوظ لجيل معين، كان الرجل دائما هناك في كل الأجيال التي عاصرها، وحتى آخر أيامه كان يبحث متجردا عن الحقيقة، بينما يصر حوارييه على أن ستيناتهم حملت كل الإجابات المُثلى.
من السهل تعاطي الأفكار بالمحاقن، وخذة واحدة وينتهي كل شيء، وهذا لا يقارن بمعاناة أن تبحث وتقارن وتصارع الشك بداخلك في أن هناك شيء ما خطأ، وأن هناك شيء ما أفضل، لكنه غير مرئي.
كلنا خائفون، وخوفنا يدفعنا للاحتماء في ظل هؤلاء الذين لا يبدو عليهم الخوف، لكن ما يجب أن تخاف منه فعلا، هو أن تؤمن بأفكار معينة، لمجرد أنك أصبحت جزئا منها، وأنك مستفيد من هذا.
كبراؤنا كبار فعلا، ولكن في الخوف من التغيير، التغيير الذي يمثله كاتب تهتز يده وهو يقدم أوراق اعتماده للكبير، لكن خوفهم الأكبر من التغيير الذي لا يلاقونه ولا تستقر أوراقه في أدراج مكاتبهم.

Saturday, December 18, 2010

الرسائل الخفية في إعلانات الحزب الوطني للفلاحين

صلاة الفلاح الفصيح

الحلقة الثانية في سلسلة إعلانات الحزب تتجه هذه المرة إلى الريف والفلاحين، لا يوجد ما يدعو الحزب للقلق من قاعدته الريفية، لكنه ركز أدائه هنا لمجموعة من الوعود الواضحة بزيادة أسعار المحاصيل، كما أنه يصيغ المشاكل الصحية بشكل يبدو كاعتذار عن الكوارث الصحية للمبيدات، طبعا بدون الإشارة إلى حدوث هذا في عهده، مع ربطها بمرض البلهارسيا الذي يرجع لعهد الفراعنة، وكأن مشاكل الفلاحين أزلية، ولكن اطمئنوا! سيتغير كل شيء بعد الانتخابات.

الرسائل الخفية: رسائل فنية بسيطة، مثل توقيت الصلاة في المغرب واجتماع الفلاح مع ولديه في العصاري، وهي كلها توقيتات توحي بالرخاء والرضا الذي تعيش فيه الأسرة، لهجة الفلاح لا تشير أبدا لمحافظته، بل هي تختلف بشكل طفيف عن لهجة أهل الحضر، مما يضفي له جدية (لا يريد الحزب أن يتحول إعلانه إلى حلقة من مسلسل سر الأرض)، وجملة "الطريق لربنا" تأتي اعتراضية كأن أحدهم قابل الفلاح وعرض عليه الشعار إياه المحظور انتخابيا. أهم شيء هو كون الإعلان مباشرا: نعتذر عن إصابتكم بالسرطان والفشل الكلوي ونعدكم بسعر أعلى للمحصول.

أخطاء قاتلة: لقطات المدرسة ومحطة المياه تعتمد على صور فوتوغرافية، المحطة جديدة تماما، لكن الخطأ الفادح هو مشهد الصلاة بمحاذاة النيل.. إذا ركزت في اتجاه انسياب المياه ستراها تأتي من خلف الفلاح وولديه، مما يعني أنهم يولون وجوههم شمالا عند الصلاة (قبلتهم في مالطة ربما)، لا يوجد موقع واحد في مصر تكون القبلة فيه ناحية الشمال، ربما يكون هذا مقبولا في جنوب السودان.