Pages

دليفري للبهوات

Wednesday, May 25, 2011

الدولة القوية التي بداخلنا.. يا معتز

المعتز بالله عبد الفتاح. هذا رجل أحبه وأحترمه. إنه نموذج للمثقف الذي نهل واستفاد من نظم الغرب، لكنه ظل متصالحا مع ثقافته الأصلية. أتحدث تحديدا عن تصالحه الجميل مع القيم الإسلاميةوبحثه الدائم فيما يجعلها أجمل أمام أعيننا. لم يهتز حبي واحترامي له بالأمس عندما روّج مستخدمو تويتر تصريحات له عن استخدام الحكومة للقوة لفض مظاهرة السفارة الإسرائيلية، فعندما قرأت التصريحات، لم أجد بها ما يضير في حدود كونها تصريحات وليست تحريض مباشر.. الرجل بكل بساطة يبحث عن غطاء سياسي لأفعال الحكومة (إنه شيء عادي في السياسة)، وهو كرر أكثر من مرة رفضه للعنف، لكنه يشير إلى الأحوال والظروف التي يصبح فيها العنف استثنائيا وضروريا.
لكن مقالته اليوم في جريدة الشروق تطرح مجموعة من الأسئلة لا تغيب إجاباتها أبدا عن رجل قال عن نفسه أنه "شاهد هذا الفيلم من قبل (يعني الثورة)". يسألنا المعتز: كيف نطلب من الشرطة حمايتنا وفي نفس الوقت نطلب محاكمة بعض أفرادها على فسادهم؟
الدكتور معتز يعرف جيدا هذه النوعية من الأسئلة التي تجبر المتلقي على اختيار الأقل سواءً من سيئين، إنه يخيرك بين الأمن وتحقيق العدالة، وبالنسبة لناس يجدون صعوبة في تمرير حاجاتهم اليومية، فإن العدالة ستصبح رفاهية يتجاوزها الخيار.
باعتباري واحدا من المسلطة عليهم نار السؤال، سأجيب بما يمليه علي ضميري الوحيد، متحدثا بلساني وحدي، ومعترفا بنصيب الصحة لهؤلاء الذين يختارون الإجابة الأمنية التي صُمم السؤال لأجلها.
أعتقد أن الأمن هو حالة عقلية في الأصل، شيء غير محدد المعالم مثل السعادة، لذلك تختلف مظاهره ومفرادته من شخص لآخر، وهو حاجة أساسية لا تشعر بها إلا عند افتقادها.. فرغم تضخم وفساد شرطتنا الحبيبة في عهد مبارك، كنت تكتفي بمظاهر الأمن حتى تتعرض سيارتك للسرقة أو تتورط في مناقشة غير ودية مع شاب هبطت نسبة البانجو في دماغه إلى حد يدفعه للاستعانة بمحفظتك، وعندما تذهب للشكوى في القسم تكتشف هشاشة إحساسك بالأمن عندما تخضع تدرجيا لفساد أمناء الشرطة وغطرسة الضباط.
بالماضي، كانت المقايضة هي الشعور بالأمن (الشعور فقط) مقابل الخضوع لفساد والظلم، أما الآن، فإن رجال الشرطة وأصدقاؤهم في المجلس العسكري (ليس المجلس كله كما أعتقد) يدفعوننا إلى قبول معادلة الأمن مقابل الصفح عن الدم الذي سال والظلم الذي وقع.
أنا لا أملك الصفح عن الدم، ولا أنت، ولا الحكومة ولا المجلس العسكري ولا الأستاذ معتز ولا حتى أسر الشهداء، إنه حق من دفعوا حيواتهم وأعينهم وأطرافهم ثمنا للحرية. للأحياء من هؤلاء حق الصفح أو المطالبة بالعدالة، وتنوب الدولة عن حق الذين توفاهم الله.
الدولة (أريدك أن تقرأها بطريقة متهكمة.. هيهئ يعني). لم أعني دولتنا التي تتراخى مع عدة لواءات الشرطة القتلة والفاسدين، الذين تعمدوا الفرجة على الفتنة الطائفية ثم أطلقوا الرصاص على المتظاهرين بدون حتى إخفاء تشفيهم، ولا تلك الدولة التي يضع سياسوها أسئلة إجبارية تؤدي للحفاظ على القتلة وتضيع حقوق ضحاياهم.
الدولة التي أعنيها هي الشيء الذي جعل ميدان التحرير يحتوي ملايين المواطنين لأكثر من أسبوعين بدون حالة سرقة واحدة، وبدون اعتداء على كنيسة رغم غياب الشرطة المتعمد.. الدولة التي تجعلنا وسط الفتنة الطائفية نتراجع من على حافة الهاوية وندين التطرف والغباء، الدولة التي تجعلنا ننظر بأسف للعراق والسعودية وساحل العاج ثم نقول "أصلهم دولة جديدة".. الدولة التي بداخلنا جعلتنا نتقبل وقوف العمل وخسائ البورصة وتخفيض المرتبات، جعلتنا نمسك بعصا هزيلة لنسهر أمام بيوتنا لنحمي الأهل والجيران.. الدولة بداخلنا التي دفعت ملايين المصريين على اختلافهم وتنوع أمزجتهم يقفون طوابير طويلة أمام لجان الاستفتاء الدستوري رغم عدم معرفتهم بمعنى الدستور.
الأمن يا أستاذ معتز من حقنا، وهو واجب هؤلاء الذين صرفنا عليهم من ضرائبنا لتدريبهم وكسوتهم وتسليحهم، فلا يحق لهم المقايضة عليه للإفلات بجرائمهم، ثم يسحبون هبتهم في مقايضة أخرى كما يفعلون الآن.. لو كان العدل قد سرى عليهم كما يفرضه علينا العسكر بمحاكمهم السريعة، لما كنا في محل تساؤلك الغريب.
سؤالك غير أخلاقي فضلا عن كونه يمثل دولتك الضعيفة، الدولة القوية ستحاكم القتلة، بسرعة وبعدل، ثم ستعلق كبار المذنبين على المشانق وتلقي بالباقين في غياهب السجون الحربية التي لا تتلقى إلا المتظاهرين العزل، ثم تقبل استقالات الممتنعين عن الواجب وتتخلص منهم بدون معاشات.. وقتها كنت سترى الأداء المثالي للباقين (هذه طريقتهم بالمناسبة)، بدون أسف على الذين تدعونا للصفح عنهم بينما لا يسعدهم إلا ضربنا والتشفي فينا.

2 comments:

محمود عزت said...

إنت بني آدم محترم يا محمد
أو بمعنى آخر: بني آدم..

Michel Hanna said...

two thumbs up