Pages

دليفري للبهوات

Friday, February 15, 2013

خرتيت غافل، قنافذ شائكة


ولقد غرقت السفينة بأهلها ولم يبقى منها إلا قارب نجاة واحد لجأ إليه أسد عجوز، خرتيت إفريقي، عصابة من الضباع وعائلة من القنافذ الصغيرة.
أما الأسد، فكان أكثرهم قلقا، وإن كان أقلهم إظهارا لهذا، وكان يتوقع أن تكون الأيام المقبلة انتظار وصبر حتى تظهر أي أرض، وإذا ما عضه الجوع فإنه يعرف جيدا ما عليه فعله. اتخذ من مقدمة القارب مكانا خاصا له في انتظار المجهول.
وكذلك حال الخرتيت، وإن كان قلقه أعمق لأن لا شيء من كائنات القارب تسد جوعه، مع احتقاره العميق لهم جميعا، وإضاف إلى الصبر خصلة الصمت الغامض. لكنه كان يشعر بالراحة في وجود الأسد الصبور صاحب التاريخ الوحشي العريق.
وانزوت الضباع في أركان القارب الصغير، جائعة وخائفة، لكنها تعرف أن لا فرصة أمامها أمام الكائنين الكبيرين، لهذا كانت عيونها السوداء الغائمة تفترش تحت أقدام الأسد، بانتظار إشارة سماح فيكونوا خدما له، أو جوع فيدفعوا أضعفهم كفريسة سهلة.
وحدها القنافذ هي التي انتشرت في القارب، مثيرة المرح والفوضى.. والعجب من قدرتها على التناسل في مثل هذه الظروف.
وعندما اشتد القلق والغباء بالخرتيت، ظن أن المكان الأكثر أمنا هو مقدمة القارب بجوار الأسد الصامت الذي سمح له بمجاورته طالما سيضيف إلى هيبته الوهمية، لكن وجود الاثنين في المقدمة أمال القارب حتى كاد يغرق، وبدأت المياه في التسلل إليه لتشعل مخاوف جديدة لدى الخرتيت، فاستدار موجها قرنه الوحيد إلى أسده الحبيب، بينما بدأ الأسد في الإعلان عن مخالبه وأنيابه.
وفي القارب ثارت القنافذ ونصبت أشواكها الحامية، وتدافعت نحو من ظنته الأكثر خطرا عليها؛ الأسد الذي أطاح بعدد منها في الماء بضربة واحدة، فلم يزد هذا أقاربها إلا ثورة وأشواكا انغرست في جسده.
وخلال معركته الصغيرة، احتكت بسمعه زمجرة الضباع الجائعة، وكأنها ضحكات عصبية مجنونة، لتحفر الزمجرة في أمعائه آلام الجوع وانتظار اللاشيء. رغم هذا، سيطرت عليه فكرة أنه ليست الأسود التي تتدني إلى أرخص لحوم الغابة، فلن يُقال أبدا أن الأسد رطب لسانه بدماء القنافذ، رغم أنه كان مستمرا في قتل المزيد منها برميها في الماء، وهو ما كان يورثه المزيد من الندم والتردد.
تلك لحظة أدركها الخرتيت، وما هي إلا دفعة بسيطة من قرنه الوحيد، لمسة هي أو أقل، ليسقط الأسد خارج القارب وتحمله الأمواج إلى الماضي والنسيان. أمام الأنظار الملتاعة للضباع النادمة على تلك اللحوم التي ضاعت في الهباء.
ووسط هذه الأحداث، لم تلحظ القنافذ تناقص أعداداها بأكثر مما قتل الأسد، كانت هناك دماء قنفذية تلطخ القارب.. وكانت الضباع راضية بشكل مريب.
لكن لا يزال القارب مائلا. فالخرتيت فرح بما كان الأسد العجوز يحتله، وتمسك بالمقدمة التي ظلت تسرب الماء للقارب، وإن كان بشكل أقل.
شيئا فشيئا، وسّعت الضباع حوزتها، بينما زاد قلق وارتباك القنافذ ورفعت أشواكها باستمرار. عين على الضباع التي تبتسم بغموض، وعين على الخرتيت الذي يصمت، هو أيضا بغموض.
قال الخرتيت لنفسه، أنه ليس راغبا فيما لدى القنافذ والضباع، وجلده سميك لا تخترقه الأشواك ولا الأنياب الصغيرة. نام في مكانه مطمئنا إلى امتلاكه المقدمة العزيزة، وعاد الماء يتسلل من تحت أقدامه الثقيلة أكثر حتى غطى معظم جسده، لكن جلده السميك لم يتيح له فرصة الشعور.
ولم يشعر أيضا بمحاولات القنافذ اليائسة لدفعه خارج القارب. القنافذ التي شعرت لوهلة بالظفر عندما تعاونت معها الضباع في الهجوم على الخرتيت النائم، وكان هذا إلى حين.
الفشل في التخلص من الخرتيت الثقيل أثار القنافذ التي تقافزت في كل مكان، تدمي بعضها بأشواكها هذه المرة، وانتشرت الضباع أكثر حتى صارت تحاصرها، لكن القنافذ انشغلت بالتخبط في أشواكها وجروحها الصديقة.
ومن بعيد، كان القارب يبدو غارقا لا محالة: الماء يغطي الخرتيت الغافل حتى أنفه، وتتسلل من أخشابه دماء القنافذ الصغيرة، مع ضجة تخبطها وغضبها، ولا ينافس هذا إلا ضحكات الضباع.

1 comment:

هيدروجين said...

ههههههههه...حلوة بس عملة ذى طريقة الاسوانى لما بيعمد للاسقاط من عالم الحيوان فى مقالاته بالمصرى اليوم...و ان كانت احن و اقل استقطابية