Pages

دليفري للبهوات

Wednesday, April 25, 2018

سيناريو الضواحي


أسعار التذاكر والعقارات كانت هي محرك فورة الإنتاج السينمائي، كيف يبدو هذا في المستقبل؟ *

يحب النقاد تخيل فيلم "إسماعيلية رايح جاي" على أنه النقطة الفارقة في صناعة السينما المصرية، ليفصل هذا الفيلم محدود الإنتاج ما بين حقبة بطيئة وباردة دامت معظم الثمانينات والتسعينات، وبين الفترة التالية التي تشهد تسخين مطرد لعدد الأفلام والشاشات والجمهور. لمناقشة هذا النظرية، مع اتفاق النقاد على تدني مستوى "إسماعيلية"، سنتخيل الموضوع بشكل آخر: ماذا لو يكن هناك "إسماعيلية" من الأصل؟ تخيل حتى أن هنيدي لم يظهر وقتها؟ هل كانت لحظة السوبرنوفا السينمائية ستنتظر بطلاً آخراً؟ أحمد مكي مثلاً؟

الحقيقة أن الموضوع لم يكن له أدنى علاقة بالمسائل الفنية، انظر إلى الظروف وقتها: في 1997، سنة عرض "إسماعيلية"، كانت البلد في منتصف أزمة عقارية نبعت من عدم قدرة الحكومة على دفع مستحقات شركات المقاولات، وبسيناريو يحمل نصف الهلع، انخفضت أسعار العقارات في موجة مركزها الساحل الشمالي وضواحي القاهرة، في الأحياء الجديدة التي لا تزال مرتبطة بنشاط شركات المقاولات.

ليس من قبيل المصادفة أن يكون أول المندفعين للاستثمار السينمائي هي مجموعة تعتمد في الأساس على المقاولات العقارية، لكن ما هو دخل سعر التذكرة في كل هذا؟ مشاريع دور العرض الجديدة كانت مرتبطة ببناء المولات التجارية، ورغم أن سعر التذكرة وقتها كان متوسطه 7 جنيهات، وبسقف لا يتعدى أبدا 12 جنيه، فإن افتتاح سينما طيبة مول كان بسعر تذكرة بلغت 20 جنيها، بفيلم "Titanic" الذي صاحبته حملة إعلامية منحته أعلى إيرادات أمريكية في مصر لسنوات عديدة بعدها.

ورغم أن سعر أعلى يعني إقبال أقل، فإن هذا لم يحدث، الزحام وقوائم الانتظار التي دامت أكثر من 10 أيام أمام سينما طيبة دلت المستثمرين على أن الجمهور تقبل اللعبة، وهو ما يعني افتتاح المزيد من دور العرض، بمتوسط 20 جنيه لسعر التذكرة، وهو ما جعل دور العرض هي الرابح الأكبر في الطفرة القادمة للصناعة كلها.

بعد مرور فترة الحضانة، يكون أمام المستثمر خياران: إما أن يقوم بتطوير السوق، أو يختار الحل الأسهل برفع السعر. في حالة دور العرض، كانت الفورة قد انتهت بانتهاء الانهيار العقاري، ومال مستثمرو السينما للدخول في الإنتاج المباشر بدورته الأسرع، كما أن الأزمة العقارية انعكست، وأصبحت الضواحي هي التي تقود ارتفاعا جنونيا في أسعار العقارات، وبرد الحماس لإنشاء دور عرض جديدة.

مجمع سينمات سيتي ستارز (بشاشاته الذهبية والخاصة) قاد موجة غلاء التذاكر، السعر الآن 30 جنيه، وعلى مسافة أقل من كيلومتر واحد، سينما طيبة لا زالت تحافظ على بقايا جمهورها بنصف هذا السعر تقريبا، الفارق بين السعرين لا يعتمد على جودة العرض بقدر ما هو يعتمد على القيمة العقارية. التسعير الجديد قادم لا محالة في ظل معدلات تضخم مرتفعة.. هذه المرة، إلى ماذا سيؤدي ارتفاع السعر؟

من المستبعد أن نرى شاشات أخرى داخل حدود محافظة القاهرة الجديدة**، لا يوجد موطئ لقدم من الأصل، سهم انتشار دور العرض سيكون رأسه خارج العاصمة، والضواحي الصحراوية ستقود شباك الإيرادات، بأسعار تذاكر مماثلة تقريبا للمتوسط داخل القاهرة، لكنها لن ترفع الأسعار حتى يظهر مصير مشروع " مدينتي " الذي يتم الترويج له كبديل نموذجي للمدن المصرية القديمة. نتيجة لهذا سيزيد الاستقطاب في علاقة سعر التذكرة بنوع الفيلم المعروض؛ لن ترى فيلما أمريكيا بأقل من 15 جنيه بعد الآن، وسيسيطر ذوق الضواحي العائلي والمحافظ على مسار الإنتاج العام، المنتجون الذين لا تظهر عليهم علامات المرونة سيسعدهم هذا الوضع كثيرا. كما ترى، يعتمد هذا السيناريو على ثبات الأحوال المالية للبلد ككل، لكن هناك سيناريو آخر يتوقعه الكثيرون، سيناريو 1997 آخر، يبدأ بأزمة عقارية تؤدي إلى موجة "إسماعيلية" أخرى.

* كُتب هذا التحليل في أغسطس 2008 
** المقصود محافظة القاهرة حسب الحدود التي عُينت وقتها بحيث أصبحت أحياء المعادي، حلوان والتجمعات تابعة لمحافظة حلون

No comments: