Pages

دليفري للبهوات

Friday, June 10, 2011

الزمالكاوي الأخير

حدث هذا صبيحة آخر نكساتنا الكروية، عندما سافر فريقنا الوطني إلى أم درمان ونحن نظن أن المسافة لكأس العالم قد أصبحت أقصر ما يكون، ثم خسرنا بهدف صاعق مر من تحت ساق عبد الظاهر السقا وفي زاوية الحضري العليا. بعد المباراة مال مشجع أهلاوي على شريكه في الهزيمة، وهو زمالكاوي أصيل من الجيل الثالث في عائلة حافظت دوما على ولائها لهذا الفريق المسكين.. سأله الأهلاوي "هو انتم متعودين على اللي حصلنا ده؟".

كان الأخ الأهلاوي مندهشا من قدرة الزمالكاوية على تحمل الهزيمة لعقود مع الاستمرار في تشجيع فريق تكاد هزائمه تكون قدرية وحتمية. تبدو هذه فكرة شاعرية، أن تستمر في مساندة الجانب الخاسر دائما، بدون أمل في نصر قريب. وهي فكرة غير عملية أيضا إذا ظلت ضمن نطاق الأهلي والزمالك، لكن لسوء الحظ، هي ليست كذلك في أشياء أخرى أكثر جدية.

-------------------

أكاد أجزم أن معظم من شاركوا في مظاهرات الثورة الأولى لم يكن لديهم أدنى أمل في نجاحها. كان هؤلاء بصدد مواجهة قوة عاتية جبارة، كان المتظاهر الفرد ضعيفا لدرجة أن مجرد التفكير في احتمالات نجاته تبدو مرعبة في حد ذاتها. من فاتهم النزول مبكرا يوم جمعة الغضب لم يروا كيف كان يبدو المشهد في العاشرة صباحا: القاهرة الصامتة المتفرجة تنتظر كمسرح روماني لمصارعة الأسود - مباني وسط البلد مثل شواهد القبور التي تنتظر الإحصاء النهائي للمذبحة – وشراذم من أفراد مصفري الوجوه يسرعون نحو المجهول.

هذه كانت الصورة في الحقيقة. وأزيدكم عليها أن كثيرا منهم لم يعرف أنه انتصر إلا بعدها بساعات أو أيام، ولم يزل في جوفي سر بائس، وهو أنني قطعت معظم المسافة من الدقي إلى ميدان السواح مشيا على الأقدام وأنا أظن أننا انهزمنا، وأنني لا أستحق العودة لبيتي سالما بعدما شهدت مذبحة قصر النيل. لكن من ناحية أخرى كنت راضيا أنني قمت بالحد الأدنى من الواجب.

واعتقدت أنني كنت زمالكاويا جيدا.

-----------------------

ما أراه الآن لا يختلف كثيرا عن صباح الجمعة القديمة. نفس القوة العاتية تتجمع في سماء البلد لتخبرنا أن لا أمل في نصر جديد، أسلحتها هي أغلبية اعتاد النظام اصطناعها والتلويح بها في وجه أي تغيير، عمادها تجار دين يتقلبون من أحضان سلطة لأخرى، وعجائز لم يتمرنوا طيلة حياتهم إلا على البقاء من أجل البقاء، وعسكر اعتادوا الفرجة والطاعة ويحترمون القوة وحدها. وليس جديدا على الدنيا كل هؤلاء لتكوين نظام جديد لا يعترف بغيرهم.

لكن لم يعد المغيّرون يستحقون الشفقة والإعجاب، بل صاروا قاطعي أرزاق مخربين، دعاة فوضى ووقيعة، كفارا وأغبياء غير ناضجين.

لقد عاد كل شيء لوضوح ألفناه في الكرة، انقسم البلد إلى حكماء مؤمنين نعميين منتجين فائزين، وأغبياء كافرين لائيين فوضاويين خاسرين. وإذا نظرنا لهذا بزاوية ساخرة قليلا، سنجد القسمين يستحقان اختصارا لطيفا: الأهلي والزمالك.

ولا أعرف لماذا وجد أصحاب العقول في هذه القسمة راحة لعقولهم، فاستسهلوا الدفاع عن حق فريقهم وحده، واللمز فقط في سقوط الآخرين.

فيما يخص الكرة، أنا من الجيل الثالث في عائلة أهلاوية، لكن في الحياة الحقيقية أفضل أن أكون زمالكاويا مخلصا، رغم أن الحكاية ليست بهذه البساطة.

----------------

أما هؤلاء الذين يبغون السهلة العاجلة، فلهم أن ينهوا قرائتهم عند هذه النقطة.

فالحقيقة أنني لا أكره الأهلي دائما، ولا أجد نفسي زمالكاويا مخلصا.

نعم.. أشترك مع الأهلاوية في الدين رغم استغلالهم له، وكنت أشجع عجائز الفريق عندما حُظروا ظلما، حتى وجدتهم يحظرون ما عداهم، ولا زلت أثق بالعسكر طالما ولوا وجوههم شرقا وحكموا بلدي عدلا، لكن الثقة طارت مع بالونات الاختبار وفحوصات العذرية والانفراد بالمعرفة والمحاكمة والحكم.

كما أني أختلف مع كثير من الزمالكاوية في عدم تصالحهم مع ديني، وانكشف لي زيف بعضهم عندما اقتربت منهم، ولازلت حائرا في أمر قبولهم للظلم طالما هو واقع على الفريق الآخر.

في الماضي كنت أعتبر نفسي مشجعا عابرا بين الفريقين، أو محبا للعبة الحلوة العادلة، لكن مع تنامي ميولي البيضاء المعقدة، صرت كأني أنشأت فريق خاص لي وحدي لا يشاركني أحد آخر في تشجيعه.

وهو فريق لم أعد قادرا على دعوة أحد له.

No comments: