Pages

دليفري للبهوات

Friday, July 2, 2010

في انتظار علبة الشيكولاتة

تعرف هذا الإحراج عندما تتصل بصديق قديم ويفاجئك صوته المحايد: [مين حضرتك؟]. غالبا ما نتعمد ذكر شيء مشترك مع الصديق، وقد نشتمه بلفظ يدل على علاقتنا به.. نعم، أنا الذي أعرفك منذ كنت نحيفا ويسخر منك الجميع.. أيام كنت تبحث عن أي حل لشعرك المجعد.. ولا داعي لكي أذكر أول فتاة وأول سيجارة وأول مرة فكرت أن العالم لا يحتاجك. لماذا لا أختصر كل هذا وأقول لك اسمي؟ لكن لو فعلت هذا هل أظل أعتبرك صديقي؟

أحمد العايدي لديه دورة تليفونية ثابتة، كل فترة يقوم بمسح ذاكرة تليفونه المحمول، وعندما أتصل به يأخذ الأمر منا وقتا في طقوس الجهل وتذكيره بنفسي ثم شرحه أنني اتصلت في بداية دورة تليفونية جديدة. يقول العايدي أن هذا يجعله يشعر بالحرية عندما يتخلص من مئات العلاقات نصف المنتهية، يشعر أنه إنسان جديد عليه أن ينظر إلى ناس جديدة لا يعرفونه.. هل تعتقد أن لديه فرصة في إقناعهم بأنه ليس العايدي ذلك.. بل هو العايدي هذا؟
أعتقد أن العايدي على حق. عندي عشرات الأسماء التي لا تدل إلا على خسائر، أسماء خسرت لأني عرفتها، وأسماء أعرف أنني خسرتها. أسماء من المدرسة والجامعة والجيش وجولاتي في العمل، وعندما أدخل على قائمة الأسماء في تليفوني أعرف أنني أخرج بالندم على عشرات الأشياء التي لم يجب أن أفعلها، وأشياء كان واجبا أن أفعلها، وأشياء جميلة فعلتها.. ولم أستمر.
أنا عموما جبان جدا في التخلص من الكراكيب، هل فعلا أحتاج أحتاج عدد الأهرام بتاريخ 22 سبتمبر؟ وماذا يدريك أن هذا العدد لا يحمل شيئا ستحتاجه في يوم ما؟ نفس الشيء لأرقام التليفونات، أنا لا أحتاج [فلان]، بل أن مجرد رؤية اسمه تضايقني، لكني لا أستطيع الاستغناء عنه، فهو بشكل ما - لا يملك الفضل فيه – قد تحول إلى جزء من تاريخي. ماذا يكون الإنسان غير مجموعة أحداث وشخصيات ومواقف؟ تتساوى في هذا الأسماء الجيدة وغيرها.
لكن الناس يغيرون آراءهم على مدار الثانية، وكلما كان الاسم متوغلا في الماضي، كلما كان تأثيره أقل، ومنعدما في النهاية؛ تتذكره فتبتسم متناسيا أنه كان يؤلمك من أسبوعين. حان وقت العمل الثوري: سأحضر التليفون، أدخل إلى قائمة الأسماء، أقف على أمر [دليت أول]، وأتخيل ماذا سيحدث بعدها.
ستكون حجة جيدة لعدم الرد على اتصالات العمل. سيتصل بي [فلان] لكني لن أرد عليه، ليس لأني أكرهه ولكن لأني – ببساطة – لا أعرف أنه هو. ومع مرور الوقت سيظهر له بدلاء أكثر أهمية في حياتي الحالية.. الأمر كما لو أنك تمرر علاقاتك في فلتر يحجز العلاقات غير الهامة.
من ناحية أخرى: لن يكون عليّ الاتصال بأحدهم لكي أذكره بشيء ما، أو أعنفه، أو أعتذر له، أو أشكره. هذا – ببساطة – لأنهم لم يعودوا موجودين، اختفوا. لن أجلس أمام التليفون مترددا في الضغط على رقم أتمناه.. الأماني أيضا اختفت.
هل يختفي الناس بمسح أرقامهم؟ هذا رائع إذا كنت أنا من يمسح الأرقام، لكن ماذا يحدث إذا قام أحدهم بمسح رقمي؟ هل يعني هذا أنني اختفيت؟ ما الذي تم مسحه بالضبط.. أنا أم مجرد رقم؟
حسنا.. أنا الآن مختفي، لكن الأشنع أن نختفي كلنا في نفس اللحظة، بمعنى: ماذا لو مسحنا كلنا ذاكرات تليفوناتنا بنفس اللحظة؟ سيبدو الأمر كأننا أتينا إلى الدنيا الآن فقط، وعلينا أن نسعى لاكتساب معارف جدد من البداية.
معرفة شخص جديد. قد يكون هذا مثل الهدية التي لا نعرف ما بداخلها.. يقول بطل فيلم [فورست جامب]: الحياة مثل علبة الشيكولاتة، لا تعرف أبدا ما بداخلها حتى تفتح العلبة. كل واحد منا ينتظر علبته.. والاروع أنك أيضا ستكون علبة شيكولاتة مغلقة في أعين الآخرين.. عليك فقط أن تهتم بالتغليف.

فكر مرة أخرى
في لقاء مع الكاتب [جلال أمين]، أشار إلينا – كمجموعة من الشباب – وقال: أعتقد أن كل واحد منكم يعيش حياته منتظرا لشيئا ما. قالت إحدى الحاضرات أننا ننتظر مكالمة تليفون تحمل لنا خبر الفوز بالمليون جنيه. أنا لا أنتظر مليون جنيه ولا أكثر، ولا أعتقد أن أي منا ينتظر حلم مادي. علبة الشيكولاتة.. هذا هو ما ننتظره.

No comments: